ثقافة العنف أم عنف الثقافة؟


فاضل السلطاني
هل هناك ثقافات عنيفة، وأخرى نقية، بيضاء، مسالمة؟ أو لنطرح السؤال بشكل آخر: هل للعنف ثقافة، أو ان هناك ثقافة للعنف في تاريخ هذا البلد أو ذاك؟
انها اسئلة قديمة ـ جديدة، وهي بلا شك اسئلة كبرى، لكنها في الوقت نفسه اسئلة ملغومة، بمعنى انها يمكن ان تقود الى نتائج كارثية اذا سلمنا ان المقدمات تقود بالضرورة الى نتائجها.
وقبل ان يمضي المرء في طرح اسئلة من هذا النوع ـ وطرح سؤال اصعب من الاجابة عليه احيانا ـ لا بد ان نحدد ماذا نعني بكلمة ثقافة. ومن الواضح اننا نستخدم هذا المصطلح غالبا بمعناه الضيق، ونعني به الشعر والقصة والنقد.. الخ، وليس مجموع القيم الاجتماعية والسياسية والثقافية والتقاليد والعادات وانماط السلوك الموروثة وغير الموروثة.
اننا نفتقد في العربية الى مصطلح يجمع كل هذه الظواهر البشرية كمصطلح
Culture في الانجليزية أو بكلمة ادق، اننا نمتلك هذا المصطلح، وهو «ثقافة» لكنه بقي قاموسيا، وارتبط في اذهاننا بالنتاج الأدبي شفاهيا كان أم كتابيا.
وحتى ترجمتنا لـ
Culture لم يتفق عليها، من الدكتور علي الوردي الذي استخدمها استخداما اقرب الى المعنى الحقيقي لها، وهو مجموع القيم والعادات والتقاليد والسلوك، الى آخر منظرينا في علم الاجتماع.
واذا كانت الثقافة هي كل هذا، فمن الصعب، ان لم يكن من الخطأ الجسيم، ان نسمها بسمة معينة، لاننا بذلك نحولها عن قيمة محسوسة تتغير مع الزمان والمكان الى قيمة مجردة تتعالى على الشروط التي انتجتها، وهي شروط متبدلة، متغيرة لا تكف عن التفاعل مع بعضها بعضا، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وقد تنتج نقيضها في لحظة زمنية معينة.
نعم، هناك عناصر عنف في كل ثقافة بشرية، يمكن ان تنمو وتزدهر اذا توفرت لها العوامل الملائمة، كما حصل في المانيا النازية، وكما يحصل في العراق الآن على سبيل المثال. وهناك كتاب مجدوا العنف ـ والحرب اقصى اشكاله ـ كحالة انسانية راقية لا بد منها لانتاج الانسان الكامل! لكن هذه العناصر سرعان ما ذابت مع ذوبان مسبباتها ـ رغم الخراب المهول الذي احدثته ـ ولم تستطع ان تتحول الى ثقافة لانها ضد الطبيعة الانسانية ذاتها، الطبيعة المجبولة على الخير والحب والجمال، حلم الانسان منذ فجر الخليقة حتى يومنا هذا.
وبالطبع يمكن ان تعيش هذه العناصر طويلا في قلب كل ثقافة بشرية، حالها حال الانسان الذي يتصارع فيه الخير والشر في كل لحظة. وربما هذا السبب الذي يقود البعض الى التعميم. ولكن التعميم مظهر من مظاهر المنطق الشكلي الذي لا يرى من الامور سوى ما هو عائم منها، عافيا نفسه من مهمة الغوص الى الاعماق ودراسة الدوافع الانسانية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي انتجتها في هذا البلد وليس سواه، وفي هذا الزمن وليس سواه.

 

  ارسل هذه الصفحة الى صديق

اغلاق الصفحة